الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فَالصَّحَابَةُ لابد أَنْ قَدْ قَرَءُوا هَذَا الْحَرْفَ وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ قَرَءُوهُ بِالْيَاءِ كَأَبِي عَمْرٍو فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقْرَأْهَا أَحَدٌ إلَّا بِالْيَاءِ وَلَمْ تُكْتَبْ إلَّا بِالْيَاءِ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ أَوْ غَالَبَهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهَا بِالْأَلِفِ كَمَا قَرَأَهَا الْجُمْهُورُ وَكَانَ الصَّحَابَةُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ يَقْرَءُونَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ وَمِنْهُمْ سَمِعَهَا التَّابِعُونَ وَمِنْ التَّابِعَيْنِ سَمِعَهَا تَابِعُوهُمْ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ قَرَءُوهَا بِالْيَاءِ مَعَ أَنَّ جُمْهُورَ الْقُرَّاءِ لَمْ يَقْرَءُوهَا إلَّا بِالْأَلِفِ وَهُمْ أَخَذُوا قِرَاءَتَهُمْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَوْ عَنْ التَّابِعَيْنِ عَنْ الصَّحَابَةِ فَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ قَطْعًا أَنَّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ إنَّمَا قَرَءُوهَا بِالْأَلِفِ كَمَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ وَكَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ. وَحِينَئِذٍ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ إنَّمَا قَرَءُوا كَمَا عَلَّمَهُمْ الرَّسُولُ وَكَمَا هُوَ لُغَةٌ لِلْعَرَبِ ثُمَّ لُغَةُ قُرَيْشٍ فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ اللُّغَةَ الْفَصِيحَةَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَهُمْ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ تَقُولُ: إنْ هَذَانِ وَمَرَرْت بِهَذَانِ: تَقُولُهَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ بِالْأَلِفِ وَمَنْ قَالَ إنَّ لُغَتَهُمْ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الرَّفْعِ بِالْأَلِفِ طُولِبَ بِالشَّاهِدِ عَلَى ذَلِكَ وَالنَّقْلِ عَنْ لُغَتِهِمْ الْمَسْمُوعَةِ مِنْهُمْ نَثْرًا وَنَظْمًا وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَلَكِنْ عُمْدَتُهُ الْقِيَاسُ. وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ:قِيَاسُ هَذَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ غَلَطٌ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ عَقْلًا وَسَمَاعًا: أَمَّا النَّقْلُ وَالسَّمَاعُ فَكَمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْقِيَاسُ فَقَدْ تَفَطَّنَ لِلْفَرْقِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ حُذَّاقِ النُّحَاةِ فَحَكَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْفَرَّاءِ قَالَ: أَلِفُ التَّثْنِيَةِ فِي {هَذَانِ} هِيَ أَلِفُ هَذَا وَالنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ كَمَا فَرَّقَتْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ نُونُ الَّذِينَ وَحَكَاهُ المهدوي وَغَيْرُهُ عَنْ الْفَرَّاءِ وَلَفْظُهُ قَالَ: إنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْأَلِفَ لَيْسَتْ عَلَامَةَ التَّثْنِيَةِ بَلْ هِيَ أَلِفُ هَذَا فَزِدْت عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا زِدْت عَلَى الْيَاءِ مِنْ الَّذِي فَقُلْت الَّذِينَ فِي كُلِّ حَالٍ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: الْأَلِفُ فِي هَذَا مُشْبِهَةُ يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيِّرْ كَمَا لَمْ تُغَيِّرْ. قَالَ: وَقَالَ الجرجاني: لَمَّا كَانَ اسْمًا عَلَى حَرْفَيْنِ أَحَدُهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ كَالْحَرَكَةِ وَوَجَبَ حَذْفُ إحْدَى الْأَلِفَيْنِ فِي التَّثْنِيَةِ لَمْ يَحْسُنْ حَذْفُ الْأُولَى؛ لِئَلَّا يَبْقَى الِاسْمُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ فَحَذَفَ عَلَمَ التَّثْنِيَةِ وَكَانَ النُّونُ يَدُلُّ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِتَغْيِيرِ النُّونِ الْأَصْلِيَّةِ الْأَلِفِ وَجْهٌ فَثَبَتَ فِي كُلِّ حَالٍ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْوَاحِدِ. قَالَ المهدوي: وَسَأَلَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي ابْنَ كيسان عَنْ هذه المسألة فَقَالَ: لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُبْهَمِ إعْرَابٌ فِي الْوَاحِدِ وَلَا فِي الْجَمْعِ جَرَتْ التَّثْنِيَةُ عَلَى ذَلِكَ مَجْرَى الْوَاحِدِ إذْ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ فَقَالَ إسْمَاعِيلُ: مَا أَحْسَنَ مَا قُلْت لَوْ تَقَدَّمَك أَحَدٌ بِالْقَوْلِ فِيهِ حَتَّى يُؤْنِسَ بِهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ كيسان: فَلْيَقُلْ الْقَاضِي حَتَّى يُؤْنِسَ بِهِ فَتَبَسَّمَ. قُلْت: بَلْ تَقَدَّمَهُ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ وَالْفَرَّاءُ فِي الْكُوفِيِّينَ مِثْلَ سِيبَوَيْهِ فِي الْبَصْرِيِّينَ؛ لَكِنَّ إسْمَاعِيلَ كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى نَحْوِ الْبَصْرِيِّينَ وَالْمُبَرِّدُ كَانَ خِصِّيصًا بِهِ. وَبَيَانُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْمُفْرَدَ ذَا فَلَوْ جَعَلُوهُ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ لَقَالُوا فِي التَّثْنِيَةِ: ذوان وَلَمْ يَقُولُوا: ذان كَمَا قَالُوا عَصَوَانِ وَرَجَوَانِ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الثُّلَاثِيَّةِ وَهَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ وَقَدْ قَالُوا فِيمَا حَذَفُوا لَامَهُ: أَبَوَانِ فَرَدَّتْهُ التَّثْنِيَةُ إلَى أَصْلِهِ وَقَالُوا فِي غَيْرِ هَذَا... وَيَدَانِ وَأَمَّا ذَا فَلَمْ يَقُولُوا ذوان بَلْ قَالُوا كَمَا فَعَلُوا فِي ذُو وذَاتِ الَّتِي بِمَعْنَى صَاحِبٍ فَقَالُوا: هُوَ ذُو عِلْمٍ وَهُمَا ذَوَا عِلْمٍ كَمَا قَالَ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} وَفِي اسْمِ الْإِشَارَةِ قَالُوا: ذان وتان كَمَا قَالَ: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} فَإِنَّ ذَا بِمَعْنَى صَاحِبٍ هُوَ اسْمٌ مُعْرَبٌ فَتَغَيَّرَ إعْرَابُهُ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فَقِيلَ: ذُو وَذَا وَذِي. وَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْإِشَارَةِ وَالْأَسْمَاءِ الْمَوْصُولَةِ وَالْمُضْمِرَاتِ هِيَ مَبْنِيَّةٌ؛ لَكِنَّ أَسْمَاءَ الْإِشَارَةِ لَمْ تُفَرِّقْ لَا فِي وَاحِدِهِ وَلَا فِي جَمْعِهِ بَيْنَ حَالِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ فَكَذَلِكَ فِي تَثْنِيَتِهِ؛ بَلْ قَالُوا: قَامَ هَذَا وَأَكْرَمْت هَذَا وَمَرَرْت بِهَذَا وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ فِي الْجَمْعِ فَكَذَلِكَ الْمُثَنَّى قَالَ: هَذَانِ وَأَكْرَمْت هَذَانِ وَمَرَرْت بِهَذَانِ فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يُلْحَقَ مُثَنَّاهُ بِمُفْرَدِهِ وَبِمَجْمُوعِهِ لَا يُلْحَقَ بِمُثَنَّى غَيْرِهِ الَّذِي هُوَ أَيْضًا مُعْتَبَرٌ بِمُفْرَدِهِ وَمَجْمُوعِهِ. فَالْأَسْمَاءُ الْمُعْرَبَةُ أُلْحِقَ مُثَنَّاهَا بِمُفْرَدِهَا وَمَجْمُوعِهَا تَقُولُ: رَجُلٌ وَرَجُلَانِ وَرِجَالٌ فَهُوَ مُعَرَّبٌ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ: يَظْهَرُ الْإِعْرَابُ فِي مُثَنَّاهُ كَمَا ظَهَرَ فِي مُفْرَدِهِ وَمَجْمُوعِهِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ مُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمْ بِذَلِكَ نَقْلٌ عَنْ اللُّغَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْقُرْآنِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ؛ بَلْ هِيَ أَنْ يَكُونَ الْمُثَنَّى مِنْ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ مَبْنِيًّا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ كَمُفْرَدِ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ وَمَجْمُوعِهَا. وَحِينَئِذٍ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْأَلِفَ هِيَ أَلِفُ الْمُفْرَدِ زِيدَ عَلَيْهَا النُّونُ أَوْ قِيلَ: هِيَ عَلَمٌ لِلتَّثْنِيَةِ وَتِلْكَ حُذِفَتْ أَوْ قِيلَ بَلْ هَذِهِ الْأَلِفُ تَجْمَعُ هَذَا وَهَذَا مَعْنًى جَوَابُ ابْنُ كيسان وَقَوْلُ الْفَرَّاءِ مِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ قَوْلُ الجرجاني وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَلِفَ فِيهِ تُشْبِهُ أَلِفَ يَفْعَلَانِ.ثُمَّ يُقَالُ: قَدْ يَكُونُ الْمَوْصُولُ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ لُغَةَ قُرَيْشٍ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ رَأَيْت الْذَيْنِ فَعَلَا وَمَرَرْت بِاَللَّذَيْنِ فَعَلَا وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ: هُوَ بِالْأَلِفِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ مَبْنِيٌّ وَالْأَلِفُ فِيهِ بَدَلُ الْيَاءِ فِي الَّذِينَ وَمَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ وَابْنُ كيسان وَغَيْرُهُمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ فَإِنَّ الْفَرَّاءَ شَبَّهَ هَذَا بالذين وَتَشْبِيهُ اللَّذَانِ بِهِ أَوْلَى وَابْنُ كيسان عَلَّلَ بِأَنَّ الْمُبْهَمَ مَبْنِيٌّ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْإِعْرَابُ فَجَعَلَ مُثَنَّاهُ كَمُفْرَدِهِ وَمَجْمُوعِهِ وَهَذَا الْعِلْمُ يَأْتِي فِي الْمَوْصُولِ. يُؤَيِّدُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُضْمَرَاتِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَالْمَرْفُوعَ وَالْمَنْصُوبَ لَهُمَا ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ وَمُنْفَصِلٌ؛ بِخِلَافِ الْمَجْرُورِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا مُتَّصِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَجْرُورَ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفِ أَوْ مُضَافٌ لَا يُقَدَّمُ عَلَى عَامِلِهِ فَلَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ فَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ فِي الْوَاحِدِ الْكَافُ مِنْ أَكْرَمْتُك وَمَرَرْت بِك وَفِي الْجَمْعِ أَكْرَمْتُكُمْ وَمَرَرْت بِكُمْ وَفِي التَّثْنِيَةِ زِيدَتْ الْأَلِفُ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ فَيُقَالُ: أَكْرَمْتُكُمَا وَمَرَرْت بِكُمَا كَمَا نَقُولُ فِي الرَّفْعِ فَفِي الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فَعَلْت وَفَعَلْتُمْ وَفِي التَّثْنِيَةِ فَعَلْتُمَا بِالْأَلِفِ وَحْدَهَا زِيدَتْ عَلَمًا عَلَى التَّثْنِيَةِ فِي حَالِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ كَمَا زِيدَتْ فِي الْمُنْفَصِلِ فِي قَوْلِهِ إيَّاكُمَا وأَنْتُمَا. فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ لَفْظَ الْمُثَنَّى فِي الْأَسْمَاءِ الْمَبْنِيَّةِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ نَوْعٌ وَاحِدٌ: لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَرْفُوعِهِ وَبَيْنَ مَنْصُوبِهِ وَمَجْرُورِهِ كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُعْرَبَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُثَنَّى أَبْلَغُ مِنْهُ فِي لَفْظِ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ إذْ كَانُوا فِي الضَّمَائِرِ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ ضَمِيرِ الْمَنْصُوبِ وَالْمَجْرُورِ وَبَيْنَ ضَمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى وَلَا يُفَرِّقُونَ فِي الْمُثَنَّى وَفِي لَفْظِ الْإِشَارَةِ وَالْمَوْصُولِ وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَبَيْنَ الْمَرْفُوعِ وَغَيْرِهِ فَفِي الْمُثَنَّى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. ذَكَرَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة هذه المسألة فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَذَكَرَ فِيهَا هَذَا الِاعْتِرَاضَ:فصل:وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ جَاءَ أَيْضًا فِي غَيْرِ الرَّفْعِ بِالْيَاءِ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} وَلَمْ يَقُلْ اللَّذَانِ أَضَلَّانَا كَمَا قِيلَ فِي الَّذِينَ إنَّهُ بِالْيَاءِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ تعالى فِي قِصَّةِ مُوسَى: {إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} وَلَمْ يَقُلْ هَاتَانِ وهَاتَانِ تَبَعٌ لِابْنَتَيَّ وَقَدْ يُسَمَّى عَطْفَ بَيَانٍ وَهُوَ يُشْبِهُ الصِّفَةَ كَقَوْلِهِ: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} لَكِنَّ الصِّفَةَ تَكُونُ مُشْتَقَّةً أَوْ فِي مَعْنَى الْمُشْتَقِّ وَعَطْفُ الْبَيَانِ يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ وَأَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا} فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَالْمَوْصُولِ بِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ عَلَى حَرْفَيْنِ؛ بِخِلَافِ الْمَوْصُولِ؛ فَإِنَّ الِاسْمَ هُوَ اللذا عِدَّةُ حُرُوفٍ وَبَعْدَهُ يُزَادُ عَلَمُ الْجَمْعِ فَتُكْسَرُ الذَّالُ وَتُفْتَحُ النُّونُ وَعَلَمُ التَّثْنِيَةِ فَتُفْتَحُ الذَّالُ وَتُكْسَرُ النُّونُ وَالْأَلِفُ فَقُلْتُ... فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الصَّحِيحَ إذَا جُمِعَ جَمْعَ التَّصْحِيحِ كُسِرَ آخِرُهُ فِي النَّصْبِ وَفِي الْجَرِّ وَفُتِحَتْ نُونُهُ وَإِذَا ثُنِّيَ فُتِحَ آخِرُهُ وَكُسِرَتْ نُونُهُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّثْنِيَةِ هِيَ الْأَلِفُ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ فِي إعْرَابِهِ لُغَتَانِ جَاءَ بِهِمَا الْقُرْآنُ: تَارَةً يُجْعَلُ كَاَللَّذَانِ وَتَارَةً يُجْعَلُ كَاَللَّذَيْنِ؛ وَلَكِنْ فِي قَوْلِهِ: {إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} كَانَ هَذَا أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِهِ هَاتَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ اتِّبَاعِ لَفْظِ الْمُثَنَّى بِالْيَاءِ فِيهِمَا وَلَوْ قِيلَ هَاتَانِ لَأَشْبَهَ، كَمَا لَوْ قِيلَ: إنَّ ابْنَتَيَّ هَاتَانِ فَإِذَا جُعِلَ بِالْيَاءِ عَلَمٌ تَابِعٌ مُبَيِّنٌ عَطْفَ بَيَانٍ لِتَمَامِ مَعْنَى الِاسْمِ؛ لَا خَبَرٌ تَتِمُّ بِهِ الْجُمْلَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فَجَاءَ اسْمًا مُبْتَدًَا: اسْمُ {إنَّ} وَكَانَ مَجِيئُهُ بِالْأَلِفِ أَحْسَنَ فِي اللَّفْظِ مِنْ قَوْلِنَا: إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ لِأَنَّ الْأَلِفَ أَخَفُّ مِنْ الْيَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ بِالْأَلِفِ فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ بِالْأَلْفِ كَانَ أَتَمَّ مُنَاسِبَةً وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ بِالْيَاءِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْمَسْمُوعَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ فِي الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ لَكِنْ بَيْنَهُمَا فُرُوقٌ دَقِيقَةٌ وَاَلَّذِينَ استشكلوا هَذَا إنَّمَا استشكلوه مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ؛ لَا مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ وَمَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ يُعْرَفُ ضَعْفُ الْقِيَاسِ. وَقَدْ يُجِيبُ مَنْ يَعْتَبِرُ كَوْنَ الْأَلِفِ فِي هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: {إنْ هَذَانِ} وَقَوْلِهِ: {إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} أَنَّ هَذَا تَثْنِيَةُ مُؤَنَّثٍ وَذَاكَ تَثْنِيَةُ مُذَكَّرٍ وَالْمُذَكَّرُ الْمُفْرَدُ مِنْهُ ذَا بِالْأَلِفِ فَزِيدَتْ فَوْقَ نُونِ التَّثْنِيَةِ وَأَمَّا الْمُؤَنَّثُ فَمُفْرَدُهُ ذِي أَوْ ذه أَوْ تِهْ. وَقَوْلُهُ: {إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} تَثْنِيَةُ تِي بِالْيَاءِ فَكَانَ جَعْلُهَا بِالْيَاءِ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ أَشْبَهَ بِالْمُفْرِدِ؛ بِخِلَافِ تَثْنِيَةِ الْمُذَكَّرِ وَهُوَ ذَا فَإِنَّهُ بِالْأَلِفِ فَإِقْرَارُهُ بِالْأَلِفِ أَنْسَبُ وَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ تَثْنِيَةِ الْمُؤَنَّثِ وَتَثْنِيَةِ الْمُذَكَّرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّذَيْنِ قَدْ تَقَدَّمَ. وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلسَّمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ مَا يُعَارِضُهَا مِنْ اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: {إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} هُوَ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْآدَمِيُّونَ} وَمِثْلُهُ فِي الْمَوْصُولِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِعُمَرِ: أَخْبِرْنِي عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ فِيهِمَا: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} الْآيَةُ. آخِرُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. اهـ.
|